حِفْظُ حُدُودِنَا الشَّرْعِيَّةِ
ذِكْرُ مُحَرَّمَاتٍ كَثِيرَةٍ يَغْفُلُ أَوْ يَتَغَافَلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، وَسُبُلِ الْوِقَايَةِ مِنْهَا .
الحلقة (4) : وَسَطَيَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِنْكَارِ الْمُنْكَرَاتِ … (تابع)
وَمَلْحَقٌ بِهِ أَخْطَرُ الْمُنْكَرَاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي أَزْمِنَتِنَا الْمُتَأَخْرَةِ .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله وصحابته والتابعين … أما بعد :
(مقدمة)
ذكرنا في الحلقات الثلاث الأولى مقدمة مهمة بين يدي موضوع هذه السلسلة ، وفي هذه الحلقة سوف أخصصها لبيان وسطية أهل السنة والجماعة في إنكار المنكرات ، مع ذكر أمثلة واقعية في تطبيق المنهجية السلفية في إنكار المنكرات الردية ، لأئمة وعلماء ؛ متقدمين أو معاصرين ، مع ذكر أخطر المنكرات الواقعة في أعصارنا المتأخرة، للحذر والتحذير منها ، فأقول وبالله التوفيق :
(وسطية أهل السنة والجماعة بين مخالفيهم في إنكار المنكرات)
(1)
مما هو متقرر معلوم أن ديننا الإسلامي صالح لكل زمان ومكان ، وهو وسط خيار بين أديان الأمم السالفة ، في عقيدتها ودينها ومنهجها ، والعقيدة السلفية الصادقة نمط أوسط بين الملل والعقائد المخالفة ،
· قال تعالى : “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا“[البقرة:143] ،
· وعن علي رضي الله عنه : “خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ النَّمَطُ الْأَوْسَطُ ، يَلْحَقُ بِهِمُ التَّالِي ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِمُ الْغَالِي”[رواه ابن أبي شيبة (34498)] .
· وقال ابن جرير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا …” : كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته ، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل ؛ كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمة وسطًا … ، وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين ، فلا هم أهل غلو فيه ، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه ، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به ؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه ، فوصفهم الله بذلك ، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها”[تفسير الطبري (2/626)] .
(2)
وهم وسط خيار في إنكار المنكر بين الغلاة من الخوارج وأهل الاعتزال ، وبين المفرطين الجفاة من المرجئة وأهل النفاق ؛ فأولئك يستخدمون أصولهم البدعية لإنكار المنكرات بالتكفير والتفجير والمظاهرات والاعتصامات والخروج على الولاة ، وهؤلاء يغمضون أعينهم عن المنكرات ولا يأبهون بها باعتبار أنها غير مؤثرة في الإيمان ، أو أن الإنكار قد يحدث بين الناس الفتن والشرور ، وأما أهل النفاق فإن أصولهم أصول كفرية إبليسية شيطانية ؛ معتمدين على أن الإنسان حر في تصرفاته وأعماله ، لا يحل لأحد أن يثرِّب عليه في إجرامه ؛ حتى لو أتى بالكفر الصراح ، والفجور الكُبَّار ،
· قال ابن مفلح رحمه الله : “قال الشيخ تقي الدين : الصبر على أذى الخلق عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن لم يستعمل لزم أحد أمرين : إما تعطيل الأمر والنهي ، وإما حصول فتنة ومفسدة أعظم من مفسدة ترك الأمر والنهي ، أو مثلها أو قريب منها ، وكلاهما معصية وفساد ، قال تعالى: “وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ“[لقمان: 17] ، فمن أمر ولم يصبر ، أو صبر ولم يأمر ، أو لم يأمر ولم يصبر حصل من هذه الأقسام الثلاثة مفسدة ، وإنما الصلاح في أن يأمر ويصبر ، وفي الصحيحين عن عبادة ، قال : «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي يُسْرِنَا وَعُسْرِنَا وَمَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»[رواه البخاري (7056) ، مسلم (4799)] ،«وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِتَالِ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ ، وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِمْ ، وَنَهَى عَنْ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ» ، فأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والشيعة وغيرهم يرون قتالهم والخروج عليهم إذا فعلوا ما هو ظلم ، أو ما ظنوه هم ظلمًا ، ويرون ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظنًا أن ذلك من باب ترك الفتنة ، وهؤلاء يقابلونك لأولئك ، ولهذا ذكر الأستاذ أبو منصور الماتريدي -المصنف في الكلام وأصول الدين من الحنفية الذين وراء النهر- ما قابل به المعتزلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فذكر أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سقط في هذا الزمان”[الآداب الشرعية (1/1579] .
· وقال -أيضاً– رحمه الله : “وهكذا إذا تأملت أهل الضلال والخطأ من هذه الأمة تجد الأصل ترك الحسنات لا فعل السيئات ، وأنهم فيما يثبتونه-في-أصل أمرهم صحيح ، وإنما أتوا من جهة ما نفوه ، والإثبات فعل حسنة والنفي ترك سيئة ؛ فعلم أن ترك الحسنات أضر من فعل السيئات ، وهو أصله ، مثال ذلك : أن الوعيدية من الخوارج وغيرهم فيما يعظمونه من أمر المعاصي والنهي عنها واتباع القرآن وتعظيمه أحسنوا ، لكن إنما أتوا من جهة عدم اتباعهم للسنة ، وإيمانهم بما دلت عليه من الرحمة للمؤمن ، وإن كان ذا كبيرة ، وكذلك المرجئة فيما أثبتوه من إيمان أهل الذنوب والرحمة لهم أحسنوا ، لكن إنما أصل إساءتهم من جهة ما نفوه من دخول الأعمال في الإيمان وعقوبات أهل الكبائر ، فالأولون بالغوا في النهي عن المنكر ؛ وقصروا في الأمر بالمعروف ، وهؤلاء قصروا في النهي عن المنكر وفي الأمر بكثير من المعروف”[مجموع الفتاوى (20/111)] .
لكن أهل السنة والجماعة هداهم الله إلى السبيل الأقوم ، والصراط الأنور ، والنمط الأوسط ؛ فهم خيار عدول ، وهداة بدور ، وأماجد شُكور ، يأمرون بالمعروف بمعروف ، وينهون عن المنكر بلا منكر ، لا يغلون ولا يجفون ، لا يغلظون على صاحب المنكر ولا يغضون الطرف عنه أو يتساهلون ، بل هم سط وسط ، وحق متمسكون به أبلج ، لا يوجد عندهم أجندة سرية سياسية ، ولا أهداف ولا مقاصد خفية ؛ غير رضى الرحمن رب البرية ، لايخافون في الله لومة لائم ، ولا عذول عاذل ، لكنهم مع هذا يراعون في إنكارهم : الضوابط والقواعد المرعية ؛ المنصوص عليها في الأدلة الشرعية ،
· وقال تعالى : “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ“[آل عمران:110] ،
· وقال تعالى : “”وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم“[آل عمران:104-105] ،
· وقال تعالى : “الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُون“[التوبة:67] ،
· وقال تعالى : “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم“[التوبة:71] ،
· وقال تعالى : “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين“[آل عمران:159] ،
· وقال صلى الله عليه وسلم : “مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ“[رواه مسلم (1140)] .
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “بل هم-يعني: أهل السنة والجماعة- وسطٌ في فرق الأمة ؛ كما أن الأمة هي الوسط في الأمم … ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة”[متن العقيدة الواسطية ، ص : (26 ، 49)] .
(3)
وأهل السنة والجماعة وسط في النظر إلى المنكرات الواقعة في الدولة الإسلامية ، والتي أقرتها الجهات الإدارية فيها ؛ فيقبلون ما وافق الحق منها ويباركونه ، وينكرون ما خالف الحق ويجانبونه ؛ بعدل وإنصاف ، بلا شطط ولا إجحاف ؛ على النحو التالي :
– ينكرون المنكر -غير المخرج من الملة- بما يستطيعونه ؛ سراً إن كان الواقع فيه ولي الأمر -أو من يأخذ حكمه- مع التزام جماعة المسلمين .
· قال صلى الله عليه وسلم : “مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ ، فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً ، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ، فَيَخْلُوَ بِهِ ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ لَهُ“[رواه أحمد (15333)] .
· وقال صلى الله عليه وسلم : “«خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» ، قَالُوا : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : «لَا ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ ، لَا ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»”[رواه مسلم (4833)] .
وينكرون المنكر -المخرج من الملة- بالضوابط التي ضبطت ، والقيود التي قيدت في نص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الآتي :
· عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، قال : “دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا : أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، قَالَ: إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ”[رواه البخاري (7056) ، مسلم (4799)] .
· سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : هناك من يرى أن اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجب للخروج عليهم ومحاولة التغيير ، وإن ترتب عليه ضرر للمسلمين في البلد ، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة ، فما رأي سماحتكم ؟
فأجاب رحمه الله : “بسم الله الرحمن الرحيم : الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ، ومن اهتدى بهداه ، أما بعد : فقد قال الله عز وجل : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا“[النساء: 59] ، فهذه الآية نص في وجوب طاعة أولي الأمر ، وهم : الأمراء والعلماء ، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمة ، وهي فريضة في المعروف ، والنصوص من السنة تبين المعنى ، وتقيد إطلاق الآية بأن المراد : طاعتهم في المعروف ، ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف ، لا في المعاصي ، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية ، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ ، وَلاَ يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»”[رواه مسلم (4833)] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[رواه مسلم (4814)] ، وقال صلى الله عليه وسلم: « عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ ، إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ»[رواه البخاري (7144) ، مسلم (4791)] ، وسأله الصحابة رضي الله عنهم – لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم وتنكرون – قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ»[رواه البخاري (7052)] ، وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه : «بَايَعَنَا-رسول الله صلى الله عليه وسلم- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا ، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا ، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا ، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»[رواه البخاري (7056)، مسلم (4799)] .
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ، ولا الخروج عليهم ، إلا أن يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان ؛ وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًا عظيمًا ، فيختل به الأمن ، وتضيع الحقوق ، ولا يتيسر ردع الظالم ، ولا نصر المظلوم ، وتختل السبل ولا تأمن ، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير ، إلا إذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان ، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة ، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا ، أو كان الخروج يسبب شرًا أكثر فليس لهم الخروج ؛ رعاية للمصالح العامة”[مجموع الفتاوى (8/203)] .
– وإن كان الواقع في المنكر غير ولي الأمر فإنهم ينكرون عليه سراً إن أسر ، وعلناً إن جاهر وأعلن ؛ تحذيراً وتنبيهاً حتى لا يقتدي به الأنام ، وتكثر عندها الذنوب والآثام ،
· سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن شارب الخمر هل يسلم عليه ؟ وهل إذا سلم رد عليه ؟ وهل تشيع جنازته ؟وهل يكفر إذا شك في تحريمها ؟ .
فأجاب رحمه الله : “الحمد لله ، من فعل شيئًا من المنكرات كالفواحش والخمر والعدوان وغير ذلك فإنه يجب الإنكار عليه بحسب القدرة ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»[رواه مسلم (1140)] ، فإن كان الرجل متسترًا بذلك ؛ وليس معلنًا له أنكر عليه سرًا وستر عليه ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : “مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا“[رواه ابن ماجه (2544)] ، إلا أن يتعدى ضرره والمتعدي لا بد من كف عدوانه ، وإذا نهاه المرء سرًا فلم ينته فعل ما ينكف به من هجر وغيره إذا كان ذلك أنفع في الدين ، وأما إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ولم يبق له غيبة ، ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك من هجر وغيره ؛ فلا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام إذا كان الفاعل لذلك متمكنًا من ذلك ، من غير مفسدة راجحة ، وينبغي لأهل الخير والدين أن يهجروه ميتًا ؛ كما هجروه حيًا ؛ إذا كان في ذلك كف لأمثاله من المجرمين فيتركون تشييع جنازته كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على غير واحد من أهل الجرائم”[مجموع الفتاوى (28/212)] .
– وإن كان المنكر الواقع في الناس قد أقره ولي الأمر ؛ فإن من طريقة أهل السنة والجماعة أنهم ينكرون المنكر على كل حال ، ولو كان نظاماً تنتظمه وتنظمه الدولة المسلمة ؛ لأن الطاعة في المعروف ، ولعموم النصوص الدالة على إنكار المنكر ؛ سواء فعله الناس من قبل أنفسهم ، أو بسبب نظام مسنون من قبل ولي أمرهم ، أو نائبه ، لكنهم يتقيدون بآداب وضوابط شرعية مرعية ؛
منها : أنهم في حالة إنكارهم المنكر لا يتعرضون لولي أمرهم -ذماً وقدحاً ، تصريحاً أو تلميحاً- درءاً للفتنة ومنعاً من إثارة الفوضى ، بل نجدهم يبحثون له الأعذار إن كانت له ثمة أعذار ، وإلا اكتفوا بالدعاء .
ومنها : أنهم يبادرون بتوجيه النصائح الخالصة لإمامهم وولي أمرهم لمنع المنكرات المقررة من قبله ؛ إن مباشرة أو من طريق العلماء .
ومنها : أنهم يصبرون على النصح والإنكار بعلم وأدب ، بلا كلل ولا ملل ، احتساباً للأجر ، وخوفاً من إثم السكوت .
ومنها : أنهم ينكرون المنكر الحادث ؛ شريطة ألا يعقبه منكر أشد منه .
ومنها : أنهم يتجملون بآداب تحليهم ؛ من مثل : الرفق والحكمة والأناة والتأني .
مع أنهم –أي : أهل السنة والجماعة- يغلب على ظنهم أن ولي أمرهم في دولتهم السنية المسلمة –حماها الله- ما قدم إلى ما قدم عليه من إقرار بعض الأخطاء والمنكرات إلا بشبهة سبَّبَها :
1) عليمو اللسان من الكتاب والصحفيين ، الذين تبنوا الأفكار العلمانية الضالة ، فجمَّلوها ونمَّقوها ، حتى سحروا بها قلوب الناس وأفئدتهم ، وساروا بها ينفقونها في وسائل الإعلام ، واستخدموا نفوذهم ووجاهتهم لتحقيق مآربهم الخبيثة .
2) الأئمة المضلون ؛ الذين سكتوا عن بيان الحق ، أو تأولوه على غير بابه .
3) البطانة غير الصالحة .
(أئمة وعلماء ينكرون المنكرات ، بلا خروج أو إثارات)
وقد حفظ لنا التاريخ القديم والمعاصر قصصاً لأئمة كبار ، وحهابذة عظام أنكروا المنكرات على وفق السنة وعمل سلف الأمة ، فبارك فعلهم النصحة الصادقون من العلماء الأثبات ، وأصبحت فعالهم سنناً تحتذى ، وسبلاً تقتفى ،
منهم : إمام أهل السنة والجماعة -حقاً وصدقاً- أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، ألزمه ثلاثة من الولاة العباسيين : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، على القول بخلق القرآن ، فأبى -منكراً عليهم ما ذهبوا إليه- ، وحذر الناس من هذا القول المشين ، وأصر على موقفه متمسكاً بعقيدته ، وواجه الرد والصد والتعذيب والتنكيل ، لكنه مع هذا لم يدع إلى الخروج عليهم ، ولا إثارة الشغب ، بل صبر وصابر حتى رفع الله عنه المحنة ، وأقر الله به عيون أهل السنة ،
· قال أبو بكر الخلَّال : أخبرني محمد بن أبي هارون ، ومحمد بن جعفر ، أن أبا الحارث حدثهم ، قال : سألت أبا عبد الله في أمر كان حدث ببغداد ، وهَمَّ قوم بالخروج ، فقلت : يا أبا عبد الله ، ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم ، فأنكر ذلك عليهم ، وجعل يقول : “سُبْحَانَ اللَّهِ ، الدِّمَاءَ ! الدِّمَاءَ ! لَا أَرَى ذَلِكَ وَلَا آمُرُ بِهِ ، الصَّبْرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ يُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ ، وَيُسْتَبَاحُ فِيهَا الْأَمْوَالُ ، وَيُنْتَهَكُ فِيهَا الْمَحَارِمُ ، أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ ، يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ” ، قُلْتُ : وَالنَّاسُ الْيَوْمَ ، أَلَيْسَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : “وَإِنْ كَانَ ، فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ ، فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ ، الصَّبْرَ عَلَى هَذَا ، وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ ، وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الْأَئِمَّةِ ، وَقَالَ : الدِّمَاءَ ، لَا أَرَى ذَلِكَ ، وَلَا آمُرُ بِهِ”[السنة لأبي بكر الخلال (1/132)] .
· وقال حنبل : اجتمع فقهاء بغداد في ولاية الواثق إلى أبي عبد الله ، وقالوا له : إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه ، فناظرهم في ذلك ، وَقَالَ : «عَلَيْكُمْ بِالْإِنْكَارِ بِقُلُوبِكُمْ ، وَلَا تَخْلَعُوا يَدًا مِنْ طَاعَة ، وَلَا تَشُقُّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تَسْفِكُوا دِمَاءَكُمْ وَدِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ مَعَكُمْ ، وَانْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكُمْ ، وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيح بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاح مِنْ فَاجِر» ، وَقَالَ : «لَيْسَ هَذَا صَوَاب ، هَذَا خِلَاف الْآثَار»“[الآداب الشرعية (1/175)] .
ومنهم : شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، رحمه الله ، أنكر منكرات كثيرة على ولاة دولته وعلمائهم المتنفذين ، في الصفات والتوحيد ، وفي مسألة تحريم شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيرها من المسائل ، فسجن بسبب ذلك عدة مرات ، لكنه رحمه الله -وهو العالم الرباني ، والإمام القدوة- لم يدع بالخروج عليهم ولم يناد به ، وإنما اكتفى بالرد عليهم بالحجة والدليل والبرهان ، فعليه رحمة الجليل الغفار ،
· قال شيخ الإسلام رحمه الله :“المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف ، وإن كان فيهم ظلم”[منهاج السنة النبوية (3/390)] .
· وقال -أيضاً– : “وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلمٍ وجورٍ ، كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه ، وتزيل العدوان بما هو أعدى منه ، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم ، فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي في مواضع كثيرة ، كقوله تعالى : «وَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ المُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ»…”[لقمان:17][مجموع الفتاوى (28/179)]
ومنهم : سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، فإنه ما زال في حياته رحمه الله ينكر المنكرات الواقعة في حياة الناس بالطرق الشرعية المحكمة ، دون التعرض للإمام بكلمة نابية ، بل لم نسمع منه -في تلك الحال- إلا الدعاء بالتوفيق والسداد ، وصلاح الحال والمآل ، فرحمه الله من إمام وعالم وقدوة ،
· يقول رحمه الله : “ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة ، وذكر ذلك على المنابر ؛ لأن ذلك يفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف ، ويفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع ، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان ، والكتابة إليه ، أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير ، أما إنكار المنكر بدون ذكر الفاعل فينكر الزنا ، وينكر الخمر ، وينكر الربا من دون ذكر من فعله ، فذلك واجب ؛ لعموم الأدلة ، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها من غير أن يذكر من فعلها لا حاكماً ولا غير حاكم ، ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه ، قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه : ألا تكلم عثمان ؟ فقال: «أَتَرَوْنَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا أُسْمِعُكُمْ ؟ وَاللهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ ، مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لَا أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ»[رواه مسلم (7592)] ، ولما فتح الخوارج الجهال باب الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان علناً ؛ عظمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم”[مجموع الفتاوى (8/211)] .
(أشهر المنكرات المعاصرة ، نذكرها لتحذر ، ثم لتهجر)
سأذكر هنا أهم المنكرات بإجمال ، وفي حلقات تالية -إن شاء الله- سأعرض أدلة تحريمها ، كاشفاً الشبهات التي تحوم حولها وتروم صوبها .
فأشهر المنكرات المعاصرة في نظري تتمثل في الآتي :
1) الشرك بالله ، وهو أعظم المنكرات .
2) البدع .
3) الكبائر ؛ ومنها : الزنا ، والربا ، وشرب الخمر ،
4) سماع الغناء والموسيقى ، والسماح للمغنين والمغنيات في مزاولة هذا المنكر .
5) مشاهدة الأفلام الساقطة ، والمسلسلات الهابطة .
6) النظر المحرم ،
7) الإعلام غير النزيه .
8) الخلوة والاختلاط المحرم بالنساء في الدراسة أو العمل .
9) سفر النساء بلا محرم .
10) تبرج وسفور النساء .
11) دخول النساء الملاعب والأماكن الخاصة بالرجال .
12) قيادة النساء للسيارات .
13) السفر لبلاد الكفر بلا ضرورة ولا حاجة ملحة .
14) مولاة أهل الكفر والابتداع ومصاحبتهم .
15) الألعاب المحرمة .
16) رياضة النساء المحرمة .
17) فتح دور السينما .
18) السياحة المحرمة ، وفتح البلاد لهذا الأمر بلا ضوابط .
19) كسب المال من غير وجهه : التأمين ، والضرائب .
20) وغيرها مما سنذكره في موضعه .
(خاتمة)
يا طلبة العلم ! لا يخفى عليكم حجم المسؤولية الملقاة على عواتقكم ، والأمانة الكبرى التي ستسألون عنها يوم القيامة ، الدعوة إلى الله رسالة الأنبياء والمرسلين السامية ، ووظيفة المخلَصين المخلِصين في هذه الأمة ، وقد قال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ؛ المبلغ عن الله رسالته حق البلاغ : “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين“[المائدة:67] ، لكن قد رأينا تخاذل كثير من الدعاة وطلبة العلم عن بيان الحق في كثير من المنكرات الواقعة في حياة الناس ، فلا أدري لماذا ؟ أهو خوف ووجل ؟! أو هو خمول وكسل ، أو تراجع عن القناعات السابقة ؟! أم هو منهج جديد يراد سلوكه ليواكب الواقع ؟! كل ما ذكر من الأسباب -أو غيرها- ليست مببرات للسكوت عن بيان الحق ، خاصة إذا علمنا أنا في دولة الإسلام ، وأولياء أمورنا -أعزهم الله- هم من يطالبوننا بالقيام بالواجب الشرعي المتحتم علينا ، كيف لا يكون هذا ومرجعنا هم علماؤنا الذين نصَّبهم ولي أمرنا -وفقه الله- لإصدار الفتاوى الشرعية المعتبرة ، وفتاواهم قد ملأت الدنيا ؛ فتاوى مطبوعة ، مصرح بها ، وهي متداولة بين عموم الناس ، وهي فتاوى رسمية من رئاسة الإفتاء في المملكة العربية السعودية ، التي كان يرأسها سماحة الإمام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، فهل تظنون -يا دعاتنا- أن ولي أمرنا -وحاشاه- سيقول لكم أعرضوا عن هذه الفتاوى ولا تذكروها للناس ، واعصوا علماءكم وفتاواهم ، ولا تطيعوهم ؟ لا ، أبداً ، لن يقول ذلك ، وولي أمرنا المكرم ، ونائبه الموقر -حفظهما الله- أجل وأعلى قدراً من أن يكون هذا منهجهما ، وهما مبرآن من ذلك -إن شاء الله- .
فشدوا العزم بعلم وحزم ، ورفق وحكمة ، وصبر ومصابرة ، وادعوا إلى الله على بصيرة ، بوسطية أهل السنة والجماعة ، أهل العلم والأثر ، والفقه والنظر ، واحذروا الثورة والإثارة ، وادعوا لأولياء أموركم بالتوفيق وصلاح البطانة .
لنتابع بقية المقال الأسبوع القادم إن شاء الله …
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا أخي الفاضل الشيخ عبدالله الناجم
ونفع بعلمكم وأعانك الله أخي على نشر السنة النبوية الشريفة ومحاربة البدعة
واصبر أخي فلا نلبث الا أن نلقى الله وعنده خير الجزاء
اللهم اغفر لأخي عبدالله
اللهم ثبته على الحق
اللهم تقبل منه
لا حرمك الله الأجر ياشيخنا والله كلام في الصميم وفقنا الله واياكم لتطبيقه ، فهو يحاكي واقعنا ونسأل الله السلامة والعافية .